Friday, March 23, 2012

... سأكسر الصمت

 هذه ليست كلاماتي، بل كلمات صديقه و زميله ناشطه، ساره جمال، امرأه صادقه و شجاعه تكافح من اجل اليمن. و حقوق الانسان اليمني، احببت ان اعيد نشرها في مدونتي بعد استئذانها.

الاسم: جميلة بو حيرد.. تاريخ: ترويه بلادي.. تاريخ امرأةٍ من وطني.. جلدت مقصلة الجلادِ.. امرأةَ دوخت الشمسا.. جرحت أبعادَ الأبعادِ.. 
ثائرةٌ من جبل الأطلس..يذكرها الليلكُ و النرجس.. يذكرها.. زهرُ الكبّاد.. ما أصغرَ "جان داركَ" فرنسا في جانب "جان دارك" بلادي...

استيقظتُ اليوم و أنا أردد أبيات نزار قباني عن جميلة بو حيرد الجزائرية التي تناستها كتب التاريخ في المدرسة كما تناست ثائرات سبتمبر و أكتوبر و لم تنساها ذاكرتي رغم اختلاط كل المشاهد المخزونة فيها بدماء و وجوه و كلمات و أصوات لم أعد أستطيع تمييز أصحابها.. ببطءٍ شديد و إرادةٍ منكسرة حاولت جر جسدي من على السرير باتجاه نافذة حجرتي الصغيرة.. أزحت الستار قليلاً خشية ضوء شمس الصباح القوي لأني صرت معتادة على العتمة بشكلٍ بات يجعل تعاملي مع الضوء أشبه بتعاملي مع الهدوء... فكلاهما مؤقت.. و منذ عدنا إلى دارنا بعد وقف إطلاق النار في ديسمبر و أنا أسترق لحظات أسترجع فيها المألوف من خلف زجاج نافذتي التي شققت زجاجها رصاصات لا أدري من أين أتت و في صدر من كانت تريد أن تستقر...

ابنة جارتي صارت في الصف الابتدائي الأول... تجر دراجتها حول الحوش و بين السيارات و هي تغني للون الأحمر و هو لون معطفها الذي ترتديه خلال كل فصول السنة تقريباً ببساطة لأنها تحب لونه! رؤيتها منحت ساقيّ سبباً للوقوف فترةً أطول.. ما أجمل صبايا بلادي.. ملامحهن تشبه بلادهن فلا مجال إلا للتأمل في تلك العيون بلون اللوز الصنعاني و الشعر الأشبه لونه ببن المخا و القامات الممشوقة بشموخ بهي كشموخ قمة جبل شمسان... و كلما اشتقت لبقعة في هذا البلد, نظرت في وجوه صباياه.. في وقع أقدام بائعات التين أسفل جبل صبر و في ترانيم راعيات الأغنام في زبيد و بائعات البخور في الزعفران وسط عدن... 

بدأت الابتسامة تعرف طريقها إليّ و ألاحق الأطفال بعيني بحثاً عن بهجة تدفعني لعيش يومي بسلام... قاطع المشهد صوت صراخ الأطفال و هم يتعاركون.. صرخوا في وجهها جميعاً: لن نلعب معك.. أنتِ بنت و مكانك البيت.. إلعبي في بيتك بدميتك فالشارع هو مكان الرجال...

نظرت إليهم بعينيها الصغيرتين و شدت وثاق معطفها الأحمر و واصلت قيادة دراجتها بدواليبها الثلاث حول الحوش... 

تساقطت دموعي لا إرادياً و جبيني ملتصقٌ بزجاج النافذة.. أحسست بوهنٍ شديد... ثم رفعت وجهي لأرى صور رفاقي فوق الرف.. غريبٌ أمري... رحيلهم برصاصات غيبتهم عني لم يمنحني هذا الوهن... كنت قوية أودعهم واحداً تلو الآخر لأعود إلى الميدان.. أما الوهن, فلم يعرف طريقه إليّ إلا عندما سمعت نفس ما سمعته جارتي الصغيرة.. الشارع للرجال..

أول مرة قلت لا لعلي عبد الله صالح كلمة "إرحل" كانت في حصة التاريخ الصف الأول الثانوي... لم أكن حينها أعلم أن زميلتي في الصف هي حفيدته... إنفجرَت باكية و هي تعدد "منجزاته" فضحكت و قلت لها أن جدها كان طفلاً عندما تحققت منجزات دفع ثمنها شهداء لم يسكنوا القصور و إنما سكنت صورهم الكتب التي كانت مفتوحة أمامنا. في اليوم التالي جاء إلى صفنا بصحبة مديرة المدرسة العقيد يحي محمد عبد الله صالح لتطلب مني المديرة أمامه أن أعتذر, قلت لهما: "لن أعتذر و لكني سأستعير من طوقان: في يدينا بقيةٌ من بلادٍ فاستريحوا كي لا تضيع البقية"

بعدها بثمانِ سنوات هرب بن علي! و خرجنا لتحية البوعزيزي أمام السفارة التونسية و نحنُ ننشد: "إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة, فلابد أن يستجيب القدر" و مع أننا لم نكن أكثر من عشرين شابةٍ و شاب, فلم نسلم من جموع الأمن المركزي و ضباط الأمن القومي التي اعتقلت ثلاثة من الشباب... يومها ابتسمت و أنا أشاهد صديقتي بلقيس و هي تقف أما عربة الأمن المركزي و هي تصرخ: "إن أردتم أخذهم فعليكم أن تمروا فوق جسدي أولاً" حينها أحسست أننا النساء لن نسقط سهواُ من التاريخ هذه المرة.مسحت دموعي و اعتلتني نشوة كتلك التي تملكتني و أنا أهتف في الشارع طيلة عام... فتحت النافذة و صرخت بأعلى صوتي: الشارع لكم جميعاً... لك و لها! بعدها نزلت السلم و أنا أردد: تاريخ: ترويه بلادي.. تاريخ امرأةٍ من وطني.. جلدت مقصلة الجلادِ... أخذت الكرة و جمعت صديقتي الصغيرة مع أصدقائي الصغار لنلعب سوية.... فالحوش لهم و لها.. و الشارع لي أعود إليه كما خرجت لأول مرة غداة هروب بن علي لأغسل شوارع بلدي من الإقطاعية و الطبقية و انفراد الأقلية بقوت الأغلبية المقهورة الجائعة... الشارع لي لأرسم لي طريقاً في دستورٍ ماتت شهيدةٌ اسمها عزيزة في تعز حتى يُكتب... الشارع لي لأناضل من أجل قانونٍ يحميني من بطشٍ ذكوري متسلط يمارس عنفه علي ليقمعني كذلك العنف الذي مارسه الإقطاعي البغيض على وطني... الشارع لي لأبني مدرسة أتعلم فيها حتى أتم طفولتي و لا أباع في عمر الطفولة.... الشارع لي!

نزل أبي بعد قليل ليشاركنا اللعب... فابتسمت و تراجعت قليلاً لأجلس على عتبة المبنى.. يلهو أبي مع الصغيرات و الصغار و تتعالى الضحكات و الألوان في مشهد يشبه الشعر و محاضرات التوعية و رقصات قبائلنا الذين تركوا السلاح ورائهم مطلع العام الماضي ليأتوا إلى ساحة التغيير و هم يهتفون سلمية سلمية... 

لا مكان للوهن في قلبي الذي لا يزالُ غضاً... لإن الوهن يجعلنا نغرق في دوامات الانتظار.. ننتظر خلاصاً من آلامنا... و لكن كم ننتظر؟ كم طفولة ننتظر أن توأد قبل أن نطالب بقانون يحمي طفولة بناتنا؟ كم أماً في الريف يجب أن تموت قبل أن نوفر للنساء رعاية صحية متكاملة؟ كم يجب أن تبلغ نسبة الأمية قبل أن نطبق إلزامية و مجانية التعليم الأساسي؟ كم لطمةً على الخد و طعنةً في الخصر و رصاصةً في الرأس ننتظر قبل أن يكون هناك قانون يجرم العنف الأسري؟ كم مسيرة يجب أن نسير فيها بين شوارع المدن و اعتصامات الساحات و مناوبات المستشفيات الميدانية؟ كم ثورةٍ نحتاج ليعترف الجميع أننا أيضاً يجب أن يكون لنا موقع فعال في رئاسة الوزراء و تحت قبة البرلمان؟ كم سنة من عمري يجب أن أقدم ليدرك الرجل أني إنسان و أن حقوقي هي جزء من حقوقه هو كإنسان؟ كم من عمري يجب أن أهب ليدرك الناس أن حقوقي أولوية و ليس رفاهية أو دلال؟

سأقتل الوهن لأقتل الانتظار... فالحقوق لا توهب و إنما تنتزع.... اكسري/اكسر حاجز الصمت... شاركونا في حملة دعم اليمن و كسر حاجز الصمت و انضموا إلى صفحة الحملة:


 بقلم/ سارة جمال  22 مارس 2012 صنعاء 


No comments:

Post a Comment